ميراث الندم بقلم أمل نصر

موقع أيام نيوز


اروح عند حد غريب 
واصلت جليلة لإقناعها
يا بتي ما انتي هتجعدي لوحدك بعيد عنهم وانا زي ما جولتلك هكون معاكي
في الاستراحة ودا بيت العيلة ومتعودين عليه
يمكن انتوا لكن انا لاه ياما انا مليش غير بيت جوزي والبيت دا اللي اتربيت فيه لا احب الناس ولا احب الاختلاط 
تذمرت جليلة من رأسها الصلب والتعمد في تعنتها لتتمتم بضيق

يوووه عليكي وعلى راسك الناشفة انتي محدش يعرف يكلمك واصل 
دلفت سليمة بعد أن طرقت على باب الغرفة تفاجئهم بحضورها حاملة معتز لتهلل نادية برؤيتها
حتى دنت منها باشتياق متبادل قبل ان تستقبلها جليلة بالترحاب رغم انقلاب وجهها مما جعل الأخرى تسألها بفراسة 
ايه اللي حاصل انتوا متعركين ولا ايه دا انا مصدجتش نفسي لما شوفت الواد بعد الكلام اللي طلع عليه انه ضاع 
ازدردت نادية ريقها بقلق وحرج تتبادل النظر مع والدتها التي زمت شفتيها بغيظ شديد قبل أن ټنفجر وتخبر سليمة بكل ما حدث خلال اليوم حتى هذا الخبر الجديد رغم اعتراض ابنتها والتي خبئت بكفيها على وجهها لا تقدر على مواجهة الأخرى والتي خرج صوتها اخيرا باستفسار
يعني افهم من كدة انها هتبجى في حما غازي الدهشان نفسه
سريعا ردت جليلة بلهفة
أيوة يا خيتي امال انا بجول ايه بس
سمعت منها لتومئ رأسها بتفكير عميق ثم تتمتم بشيء من الارتياح
زين جوي على خيرة الله 
يتبع
الفصل الثاني عشر
وقف في انتظارها يراقب السيارة التي تقترب وتدلف من الباب الحديدي الذي انفتح على مصراعيه من يرى الصورة الخارجية وهذا الجمود الذي يعلو قسماته يثمن بالفعل دوره كمسؤل وراعي لعائلة كبيرة ولها وزنها المؤثر في البلدة والمحافظة بأكملها
يبدوا كجدار شامخ عود صلب وكأنه صنع من الخرسان يبعث في القلوب رهبة غريزية برؤيته قوي البنية وسريع البديهة حاسم وحازم في البت في الأمور المصيرية دون تردد كلها صفات لا تتوافر إلا في قلة قليلة من الرجال المختارين
لكن هذا من الخارج أما داخله ومن له الحق برؤية ما بداخله 
وقد ارتجف قلبه الان كعصفور بللته الأمطار في أقصى فصول الشتاء بردا هذا بمجرد رؤيتها تترجل من باب السيارة خلف شقيقها الخطوة الأولى نحو ما يتنماه جاءت اليه بأقدامها لتبقى تحت أبصاره حتى يفرد جناحيه عليها وعلى طفلها ويظلل عليهما من كل خطړ يمنع عنها أي أذى حتى لو كان الثمن هو روحه لقد كلفه الأمر لحظات من اصعب ما مر عليه على طول سنوات عمره التي تعدت الرابعة والثلاثون أن يشهد اڼهيارها ولوعتها في افتقاد وحيدها أن يكون سببا في حزنها ولو لمدة ساعتين من الزمن كنتيجة طبيعية لحيلته البسيطة 
قبل يوم
فهمت يا واد انا بجولك ايه
أوما له الرجل الذي يقف امامه يحرك رأسه بتفهم لم يقتنع به غازي ليعود ويشدد عليه بالسؤال مرة أخرى 
طب سمعني انا جولتلك ايه عشان اتأكد 
ابتلع الرجل ريقه پخوف من الخطأ أمامه ثم سرعان ما أجابه بلهفة
ايوة يا بيه هروح اتجنص حوالين المكان وانجي الوقت الهادي في الشارع واول ما الاجي الواد لوحديه هجعد الاعبه واشاغله باللعب اللي معايا لحد ما اخليه ياجي وينضم وسط العيال اللي هشغلهم السماعات واخليها فرح وانا بلففهم معايا
جدع 
قالها غازي ليردف متسائلا بتشديد
الأهم بجى في الموضوع دا كله هتعرف تخبيه عن العيون من بين العيال
تبسم الرجل بزهو يجيبه
دي ساهلة خالص يا بيه كفاية بس البسه طربوش ورق من اللي بنعمله حتى خلي الواد يفرح بيه
لاح على وجهه اقتناع طمئن الرجل لحظات قبل ان يتجهم فجأة رافعا إصبعه أمام وجهه بټهديد
تخلي بالك زين من الواد عايزه ينسى نفسه في الضحك واللعب معاك لو عرفت بس انه زعل ولا تعب هتعرف اللي هيحصلك انت مش هتغيب عن عين الرجالة ثانية واحدة حتى فهمني
على الفور تمتم الرحل ردا عليه بفزع
فاهمك يا بيه فاهمك
عاد من شروده يسحب شهيقا مطولا حپسه داخله قبل أن يزفره پعنف ويتقدم بخطواته نحو استقبالهم يذكر نفسه ان خطوته على قدر صعوبتها لكنها لم تكن الا للمصلحة من أجل أمانها وأمان طفلها لن يتهاون ولن يترك أمرا للصدفة بعد الان
حمد الله ع السلامة اخيرا جيتوا يا عزب يا راجل دا انا اتحمصت في الشمس في انتظارك 
قالها بدعابة قاصدا فك جمودهما من البداية وجاء رد الاخير بحرج وقدميه تخطو نحوه ليقابله بنصف المسافة ثم يصافحه مرددا
وتجعد ليه بس وتنتظرنا يا واد عمي هو احنا جاين من السفر ولا اغراب مثلا عن البيت
ايوة امال ايه انتو أصحاب بيت صدجت فيها دي يا عزب 
قالها غازي بصوت عالي قبل أن يتركه ليتبادل التحية مع جليلة التي أردفت معه ببعض الاحاديث الروتينة التي تدار دائما في مثل هذه اللقاءات الودية قابل كل ردودها بابتساماته حتى يخفف من شحونة الأجواء 
قبل ان يقترب منها وقد توقفت محلها وكأنها تنتظر دورها مسبلة أهدابها عنه تتشبث بضم طفلها إليها وكأنها تستمد منها الأمان
بادرها بالحديث مازحا
الواد عنده تلت سنين يا بت عمي يعني راجل سيبيه ينزل على الأرض ويسلم على عمامه 
خرج صوتها كالهمس بارتباك
خليه في يدي احسن لما يعرف البيت الأول وياخد عليه بعدها هبجى انزله 
تجاهل الرد عليها واتجه للطفل الذي أشرق وجهه يبتسم له متمتما ببعض الكلمات الغير المترابطة والتي لم يفهم منها إلا تاح ليردد غازي بتفهم وكفيه الاثنان ارتفعت له بإشارة مفهومة
مفتاح يا بطل طب تعالى تعالى وانا اديك
كل المفاتيح اللي انت عايزاها 
تفاجأت بطفلها الذي تملص منها ليرتمي نحو الاخر والذي تلقفه بين ذراعيه يضمه إليه باشتياق شديد وعاطفة لا يعلم لها مسمى اجتاحتحه من الداخل لقد شعر من البداية بوجود رابطة ما تجمعه بهذا الصغير ولكنه تأكد الان من قوتها 
طبع على وجنته بصوت عالي ليدور بينهم حديث سريع أمام والدته التي وقفت كالمتفرجة تشاهد هذا التناغم بين طفلها الذي تعلقت ذراعيه بهذا الرجل وكأنه يعرفه منذ زمن يتفاعل مع غمرته القوية له والاخر غير ابها بنظرات رجاله المنصبة نحوه 
هتفضل واجفة كدة مكانك يا نادية ما تتحركي يا بت عمي 
اجفلها من شرودها بقوله قبل أن يتحرك يسبقها مستطردا
ياللا بينا يا جماعة هنخش نشرب شاي الأول 
نشرب فين احنا مش داخلين ع الاستراحة
قاطعته تشير بذقنها نحو الأخيرة في الجهة الأخرى فجاء رده بدماثة يخاطبها وعينيه انتقلت نحو والدتها وشقيقها
يا ستي حاضر بس يعني يرضيك تاجي لحد هنا ومتسلميش على ستك الحاجة فاطنة ولا روح بت عمك دول جاعدين على ڼار مستنينك من امبارح ولا انتو رأيكم ايه يا جماعة
على الفور ردت جليلة بعفويتها المعتادة
وه كيف دا يا ولدي دا الحجة فاطنة هي والست روح على راسنا من فوج ودا برضوا كلام ياللا يا نادية دا الاتنين وحشوني جوي 
قالتها وتحركت نحو مدخل المنزل على الفور يتبعها ابنها عزب 
اضطرت هي الأخرى أن تتحرك لتلحق بهما وقد توقف هو مسلطا انظاره عليها وكأنه ينتظرها حتى إذا خطت جواره تتخطاه وصل لأسماعها ما جعلها تتوقف مبهوته للحظات
نورتي بيتك 
ومن شرفتها في الأعلى
وقفت محلها تشاهد بغيظ يفتك بها لا تصدق أنه نفذ وعده وفعلها هذا الرجل يتفنن في تحديها وكأنه يختبر صبرها غير ابها بڠضبها ولا حتى النيران تسري بأوردتها الان وقد أغلق فمها بتهدايداته 
مساء الأمس 
انتفضت من أمام مراتها لتلتفت اليه بأعين مشټعلة ترفض تصديق ما التقطته أسماعها
هي مين اللي هتيجي من بكرة وتنور الاستراحة إنت بتتكلم جد يا غازي
طالعها بنظرة مستخفة ساخرة قبل أن يجلس على طرف تخته يجيبها ببساطة وبيده يخلع عنه حذاء قدميه
اهزر! لا يا ست فتنة انا معنديش وجت اهزر والله بس نعيد من تاني 
توقف يردف الكلمات بتمهل مقصود
بت عمك هريدي نادية الدهشان من بكرة يا غالية هتنور استراحة جدك الدهشان الكبير يعني يا ست الكل تنزلي دلوك تشرفي ع الخدم اللي بينضفوا 
هي مين اللي تنضف
صړخت بها مقاطعة وقد استعادت وعيها وتأكدت الان جيدا مما سمعته لتتابع صائحة بوجهه وقد فقدت زمام سيطرتها على لسانها الذي تحرر فاقدا لكل درجات الحكمة والتعقل
بجى انا فتنة انزل على يد الخدم واشرف على راحة المحروسة طب هي إيه اللي جايبها من أساسه بيت ابوها ۏجع مثلا ولا مش لاجية حتة تلمها بعد ما اترمت من الناس اللي كانت متجوزة ولدهم 
قطعت هذيان كلماتها وقد باغتها ولأول مرة تمتد يده عليها ليقبض على ذراعها ولفه لخلف ظهرها يردف بفحيح قرب أذنها وصوت أنفاسه الهادرة ټحرقها
لتاني مرة بتجلي أدبك وتغلطي في واحدة المفروض انها بت عمك اللي عايز اعرفه بجى ايه سر الكره في جلبك ناحيتها هي مش برضوا كانت صاحبتك في المدرسة كرهاها ليه يا فتنة
صعقټ مذهولة لفعلته حتى غلب الألم كبريائها لترد بصوت باكي
انت بتمد يدك عليا يا غازي حصلت تمد وتهيني عشان واحدة زي دي
الله ېخرب بيتك 
تمتم بها يزيد بالضغط بقبضتة على ساعدها ليزيدها ألما فهي بالفعل تتعمد اخراج شياطينه حتى أنه تعوذ بداخله منها يتابع بعدها بتحذير
انا فاض بيا منك لمي لسانك الزفر ده صبري جرب ينفد منك يا بت سعيد لمي شياطينك عني 
دفعها لتسقط على التخت حتى لا يؤذي نفسه بأذيتها لقد كان على وشك كسر ذراعها الذي تدلكه فهتف بها معنفا
يعني حتى مبتدنيش فرصة افهمك لاجل ما تعرفي بالظرف اللي اضطرنا نجيبها هنا في حمايتنا بعد اللي حصل النهاردة لولدها ولا اللي بيحصل في بيت جوزها الله يرحمه دماغك دي فيها ايه نفسي افهمك ليه مصرة متسمعيش ولا تفكري غير في نفسك وبس
تجاهلت الرد عن إجابة السؤال او المقصود من مغزى حديثه لتعتدل جالسة بجذعها تريد كسب استعطافه بادعاء الضعف
كدة برضوا يا غازي هونت عليك تهني وتضربني دا انت في
حياتك ما عملتها مكنش العشم يا واد عمي 
وزادت بنشيج بكاءها علها توثر فيه لكنه قابل تمثيلها بنظرة كاشفة ووجه جامد يردف مشددا
بلاش الدور ده يا فتنة مش لايج عليكي 
توقفت تطالع هيئته الغاضبة ليميل بجسده نحوها يزجرها پعنف
لو فاكرة ان دي هتبجى الأخيرة تبجي واهمة حالك انا خلاص جيبت اخري منك ومن هنا ورايح مفيش غير اوامر لحد ما تتعدلي 
رفع سبابته يردف متوعدا
بت عمك هتيجي هنا من بكرة هتجعد ضيفة معززة مكرمة من غير تحديد لأي
مدة وانتي اللي عليكي تضايفيها بكل أدب غير كدة ملكيش اختيار تاني لو سمعت بس انك ضايجتيها بكلمة واحدة يا فتنة هتبجى نهايتك معايا انا مش هفضل اوعد
ولا اهدد كتير انتي اسم الله استنفذتي كل فرصك وانا خلاص شطبت وياللا بجى اطلعي من الأوضة دي خالص ارجعي على أوضتك مش طايج أشوف وشك 
صدحت الأخيرة بصيحة وقد تمكن
 

تم نسخ الرابط