حبيبت عبد الرحمن لسلوى فاضل الجزء الأول
المحتويات
بعد قليل بكوب الشاي أخذه ودخل للشرفة نظر أمامه بشرود متحدثا بصوت مكتوم بالكاد وصل لأذنيه
أنا عارف سبب إلحاحها على جوازي لكن أنا مش عايز أدخل دايرة ملهاش نهاية دايرة كلها إجبار وعڼف إزاى أخلي ولادي مرعوبين مني أو من عقاپي! كنت بټرعب لما بابا يكشر في وشي كل ضړبة حزام أخدتها زلزلتني من جوايا ليه أجيب أولاد أعذبهم! حتى لو مراتي حبت أتعامل معاها كده أنا مش عايز حقيقي مش عايز
إلتحق محمود بكليه التجارة وتفوق بها أحب التعامل بالأرقام وتطويعها بل تفوق بدراسته أصبح معروفا بين قرنائه تقرب إليه كثيرون واكتسب أصدقاء كثر بعضهم من زملائه بنفس الفرقة والبعض من الفرق المستجدة ومن بينهم بسمة إحدى الطالبات تصغره بعامين تاتي إليه مع بعض زميلاتها ليشرح لهن ما يصعب عليهن فهمه وبعد فترة أصبحت تلازم مجموعته بأوقاتها الخالية من المحاضرات شعر كل منهما بانجذاب للآخر لم يتحدثا أبدا سوى بما يتعلق بالدراسة بعد فترة تأكد محمود مما يكنه تجاهها وبحديث الأعين شعر إنها تبادله مشاعره بمثلها فحدث والدته بالأمر
كنت عايز أكلمك في حاجة كده
قول يا حبيبي مالك متوتر ليه! أول مرة أشوفك كده
ابتسم بتوتر مجيبا
الحقيقة مش عارف أبدأ منين أنا عارف اني لسه صغير واني
أنت بتحب يا محمود!
أماؤ لها شاعرا بالاحراج فابتسمت بسعادة متسائلة
وهي بتحبك
احنا ما اتكلمناش بس حاسس إنها بتحبني على الأقل مياله ناحيتي
أتأكد منها ولو كده يبقي على بركة الله نقرا فاتحة وخطوبة وتتجوزوا أول ما تشتغل
سألها بسعادة ليتأكد مما سمع
يعني موافقة يا امي
هكلمها ولو وافقت يبقي الخطوبة أخر السنة دي أكون تخرجت وإن شاء الله هتعين معيد وبعدها
قاطعته فاطمة مرة اخرى
بعدها تتجوزوا يا حبيبي خلي الفرح يدخل البيت والدك كان شايل لك ولحبيبة قرشين على جنب وضب أوضتك هي كبيرة وهات أوضة حلوة كده ما أنت مش هاتسيبنا لوحدنا مش كده يا محمود !
اسمها أيه
أجابها والبسمة تعلو وجهه
بسمة
ربنا ربنا يسعدك ويريح قلبك ويجعلها سبب بسمتك دايما يا حبيبي
حين حدثها بالأمر أحمر وجهها خجلا ألجمتها السعادة ورقص قلبيهما فرحا أتم محمود العام وتم تعينه معيدا فتقدم لها وتمت الخطبة
مرضت فاطمة وشعرت باقتراب الأجل فطلبت من محمود الإسراع بالزواج لم تخبره بشعورها وألحت عليه بحجة إدخال السرور لقلوبهم أما مقصدها الحقيقي أن يجد من يشدد
أقاموا حفل زفاف متوسط الحجم ضم الأهل والأقارب والأصدقاء المقربين شعرت فاطمة ببعض الراحة تمنت أن تتوطد علاقة بسمة وحبيبة وأن تستطع تعويضها حنانها إن حان وقت الفراق
بعد عدة أشهر من زواج محمود إشتد المړض على فاطمة ونقلت إلى المشفى وأصرت حبيبة على مرافقتها كانت بالثالثة عشر من عمرها شعرت حبيبة بقرب ما تخشاه الفراق تناجي ربها وتدعوه أن يحفظ والدتها تجلس جوارها ليلا تحدجها بنظرات متوسلة راجية تناجي ربها سرا
يارب أنت العالم بحالي يا رب أنا ما افتكرش بابا لا صوته ولا شكله أعرفه بس من الصور يارب أحفظ لي أمي هي صحيح طول الوقت شاردة
سقطت دموعها بغزارة ومسترسلة
بتتمني تروح لبابا بس أنا عايزاها معايا مش عايزاها تسبني هي كمان يا رب أنا ماليش غيرها هي و محمود يا رب عشان خاطر حبيبك سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة أحفظها لي وما تخدهاش عندك يا رب محمود بقي له حياته مع مراته أنا مش عايزة أبوظ له حياته يا رب
توالت عبراتها وسقطت بغزارة تخرج معها خۏفها من الفراق وألمها
اهتمت حبيبة بوالدتها تطعمها بيدها تبدل ملابسها وتعملت من التمريض كيف تنظفها وتطيبها تدهورت حالة فاطمة الصحية لا تستطيع الحركة وأحيانا يثقل لسانها فتتحدث بصعوبة شديدة وشعرت بنهاية الأجل تشفق على حبيبة تعلم بتقصيرها تجاهها استجمعت قواها الخائرة وحدثتها محاولة مؤازرتها وتقويتها بثتها آخر كلماتها كأنها تودعها
ما تزعليش مني يا حبيبة والله كان نفسي أفضل معاكي بس ڠصب عني يوم بابا ما راح أخد حته مني أنا بحبك أنت ومحمود خليكوا سند لبعض ربنا ينور قلبك يا حبيبة ويلهمك دايما الصواب خلي قلبك دايما نقي يا حبيبتي أعملي زي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ما قال لنا
استفتي قلبك وإن أفتوك
طول ما نيتك صافية وقريبة من ربنا هيلهمك الصح نقي قلبك وأوعي تسيبي نفسك للدنيا
استمعت لوالدتها ودموعها تتساقط دون توقف أدركت أن تلك وصيتها الأخيرة تاهت منها الكلمات جميعا فاقتربت منها ټحتضنها وتقبلها وكأنها تحاول الإرتواء من حنانها قبل الفراق ذهب عنها النوم وهجرها رافقتها دموعها كما عڈابها
وبالصباح أسلمت فاطمة روحها لخالقها ذهبت إلى مأواها الأخير بالحياة احترق قلب حبيبة وتملكها عميق الحزن أصبحت صامته منكمشة منغلقة عن العالم تشق دموعها مجراها على وجهها رغبت عن الدنيا زهدت الحياة آزرتها بمحنتها تلك صديقتها الوحيدة سما تاتي إليها يوميا تجالسها تتحدثها من طرف واحد
بعد فترة طويلة عانا بها كل من محمود وسما تمكنا أخيرا بمعاونة بسمة من إخراجها من عزلتها وحزنها وعادت تدريجيا للحياة
سما هي صديقة حبيبة الوحيدة بنفس عمرها طيبة القلب كحبيبة ملامحها عادية تحب حبيبة كشقيقتها يملك والدها مكتبة لبيع الأدوات المكتبة قرطاسية أسفل البيت المقابل لمنزل حبيبة تراها من شرفة منزلها اعتادت حبيبة مرافقتها هناك بأوقات تواجد سما مع والدها
أما فهي بسمة فتاه جميلة بسيطة متوسطة الطول محجبة تكبر حبيبة بثمانية أعوام طيبة القلب حنونة وحيدة ټوفي والدها وهي بالعام الثاني بالجامعة قبل خطبتها بفترة قصيرة
رغم طيبة قلب بسمة وشعورها بالشفقة على حبيبة إلا إنها شعرت ببعض الغيرة منها لاهتمام محمود الشديد بها والذي ازداد وتضاعف وقت ۏفاة والدتهما حيث استحوذت حبيبة على قدر كبير من اهتمامه
لم يخفى على محمود شعور بسمة رآه بمقلتيها مهما حاولت إخفائه لم يتجاهل الأمر ولم يتزمر منها وانتوى محادثتها وبعد تحسن حبيبة مباشرة جلس مع بسمة
بسمة حبيبتي الفترة اللي فاتت كنت مشغول عنك شوية متأكد إنك عذراني وقدرة الظروف أعملي لنا كوبايتين شاي وتعالي عايز أتكلم معاكي شوية
بادلته الابتسام تحركت وعادت بعد قليل تحمل المشروب وجلسا بمكانهما المعتاد
أنا سمعاك يا حبيبي
عارفة يا بسمة أنت وحبيبة أهم اتنين في حياتي أنت مراتي وحبيبتي عمري الجاي وبنتي أما حبيبة أختي وبنتي وعيلتي كلها بابا الله يرحمه ماټ وهي عمرها خمس سنين بعدها كانت بتقولي يا بابا
تحدثت بدهشة وتعجب
فعلا!
أيوه من وقت ما عرفت تتكلم لحد ما بقى عمرها عشر سنين كانت تقولها ليا أنا وبابا الله يرحمه بس بطلت عشان ماما كانت بتتعب لكن ساعات لما بابا يوحشها تناديني بابا
أنا عمري ما سمعتها تندهك بابا
أجابها مبتسما
مش بتحب تقولي كده قدامك پتخاف تزعلي
ابتسمت بسمة مندهشة
ساعات بتحس أنك مش مستوعبة العلاقة بيني وبينها پتخاف تحصل مشاكل بسببها بس أنا قولت لها ان بسمة هي بسمت حياتي وأنك فهماني أكتر من نفسي وأكيد مقدرة فقدها والدها و دلوقتي والدتها كمان وبقت يتيمة الأب والأم
نظر داخل عينيها وأخذ كفها بين كفيه مبتسما
عارف إنك مقدرة إحساسها لأنك فقدتي والدك قبل ارتباطنا بفترة صغيرة ومقدرة سوء إحساسها دلوقت بسمة أنا لحبيبة أخوها وأبوها وعيلتها كلها ملهاش غيري بابا وماما الله يرحمهم وصوني عليها من يوم ما تولدت حسيت
أنها بنتي يمكن عشان فرق السن بينا عشر سنين زود احساسي ده بس عمر حبي لها واهتمامي بها ما يأثر على حبي ليكي أبدا تفهمك لده بيحببني فيكي أكتر وتأكدي لما ربنا يرزقني بأولاد منك هاحبهم وأخاف عليهم زي ما بعمل معها وأكتر فهماني يا حبيبتي
أجابته ببسمة راحة وسعادة
ما تقلقش حبيبة من النهاردة بنتي أنا كمان هاحاول على قد ما أقدر أقرب منها سامحني لو في وقت ماقدرتش أفهم العلاقة بينكم عارف أنا بحبك دلوقتي أكتر من الأول وكبرت في نظري أكتر وأكتر
ثلاث أعوام مرت أصبحت حبيبة بمرحلة الثانوية العامة ازداد حسنها وجمالها تغيرت ملامحها لم تعد طفلة باتت شابة ممشوقة ومتناسقة القوام ذات بشړة قمحاوية تميل للبياض متوسطة القامة شعرها ناعم طويل يكاد ان بماثلها طولا رغم حبها لذلك إلا انها تخجل من طوله فاعتادت أن تجمعه لأعلى أو تجدله أثناء خروجها وتطلقه في المنزل تضع عليه غطاء إذا أطلت أو جلست بالشرفة
ظل محمود على عادته يرافقها دوما ذهبا وإيابا يحاول توفيق مواعيده بالجامعة مع دروسها حملت بسمة بعد تأخر حملها لأكثر من عامين وهم الآن متأهبين ومنتظرين أن تضع مولودها بأي لحظة
ما زالت حياة عبد الرحمن رتيبة جدا ذات قواعد ثابتة لا تتغير يذهب بالصباح إلى المدرسة ثم يعود بعد انتهاء اليوم الدراسي ثم يتناول وجبة الغداء رفقة والدته ثم يجلس بالشرفة يحتسي مشروبه ويشاهد حركة المارة إلى أن تنتهي والدته من أعمال المنزل وخلال جلسته يشاهد عودة محمود صحبة حبيبة
وبالمساء يجلس مع والدته لقرابة الساعتين تقص له ما أرادت عن حياتها مع والده ثم يخلد للنوم ليعيد نفس الأحداث باليوم التالي ولنفس التسلسل
قطبين متنافران رغم التقاءهما يوميا بالطريق لا يتحدثان يتجاهل ويتجنب كلاهما الآخر شاعران باختلافهما أو ربما تناقضهما ولم يحبا التعامل معا
بكل يوم يرى محمود يرافق حبيبة من وإلى مدرستها لم يلتفت لها اطلاقا يغض بصره دوما إلا بذاك اليوم جلس كعادته بشرفته وبيده مشروبه الساخن فوقع بصره ككل يوم عليهما بتلك المرة انتبهت كافة حواسه لا يعلم السبب ربما لأنها ولأول مرة بزي مخالف للزي المدرسي فكان ثوب طويل قصير الأكمام ذو لون هادئ رقيق تجمع شعرها لأعلي وتجدله بشكل ضفيرة مهدلة على كتفها الأيمن وجد نفسه يسير خلفهما يسأل عنها ولم يستطع معرفة اسمها
تملكته حالة غريبة لا يعرف سببها رغبة في التقرب ومعرفة اسمها وعمرها سأل نفسه هل يمكنه محادثتها يوما تعجب من ذاته لم يجد سبب لحالته ولم يستطع منع نفسه من انتظارها كل يوم ومتابعتها يراقبهما حتى يختفيا عن ناظريه تغمره حينها سعادة لم يعتاد عليها وبعد بضع أيام استطاع تحديد موعد عودتهما
لم يستطع فهم أحاسيسه وكل ما علمه انه يستمتع برؤيتها والنظر إليها ومراقبتها
جلس بشرفته ككل يوم منتظرا عودتهما لينعم بقدر من السعادة لكنها بذلك اليوم عادت وحيدة أثار ذلك
متابعة القراءة