ضبط واحضار بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

صغيرة وعايزة أفرح بشبابي.
من جديد أكد عليها
ما تخافيش ضغط الهوا هيرفعك.
اعترضت عليه بتوجس كبير
وافرض على حظي وأنا عارفاه كويس نحس وفقر الكهربا فصلت وهوب أروح نازلة على جدور رقبتي تتكسر ساعتها حد هينفعني
لم يستطع إخفاء ابتسامته المستمتعة بردات فعلها الطبيعية وقال بثبات
أنا موجود وهلحقك!
لوت ثغرها مرددة بعبوس
كله بيطلع بؤ في الآخر وساعة الجد ما بنلاقيش حد.
بالكاد كبح ضحكته ليقول متصنعا الجدية
والله ما تقلقي!
آنئذ رفعت بصرها للأعلى متمتمة
اعتبريها زي الملاهي بتغيري جو.
احتجت في حمئة
وهو أنا هبلة علشان أرمي نفسي في التهلكة وأدفع فلوس كمان على ده!
وجد صعوبة في إقناعها بعدم وجود مخاطر مهولة مثلما تعتقد فما كان منه إلا أن أمرها
يالا يا أستاذة مافيش وقت
استدارت تنظر إليه بحدة قبل أن ترد بتذمر
ما تستعجلنيش سبني أخد وقتي.
طالعها بنظرة غامضة جعلتها تتوتر خاصة وهو يخبرها
إن كان عليا ممكن أسيبك للصبح بس سيادة الرائد عمر مستني وده لو صبره خلص مش بعيد يرميكي من الطيارة مش المنصة دي.
علقت في تبرم
ياختاي عارفاه مچنون ويعملها.
مرة أخرى التفتت صاعدة الدرج على مهل ولسانها يردد
استر يا رب.
توقفت في منتصف السكة تقريبا لتستدير برأسها متسائلة
وأنا هطلع منها إزاي
كان أمير في إثرها فجاوبها وقد توقف عن الصعود هو الآخر
بنخفف ضغط الهواء بالتدريج لحد ما تنزلي لتحت خالص وساعتها بتقدري تقفي على رجلك وتخرجي من باب جانبي.
عاودت التحديق أمامها وهي لا تزال تبدي تذمرها
كان عليا بده إيه!
أوصاها من خلفها
ما تنسيش تلبسي الخوذة.
ردت عليه بإحباط
أل يعني دي اللي هتحوش!
راقبت بسنت وقع خطواتها حتى وصلت إلى الحافة احتاجت لكل طاقاتها لتجمع جأشها وتقفز لكنها فشلت ولم تقدر على مغالبة ما يجتاحها من مشاعر رهبة فقد قيد الخۏف قدميها وجعلها أكثر عجزا عن ذي قبل. التفتت محدقة في أمير وأخبرته بعناد
أنا مش هنط مش عايزة.
من ورائها تحدث أمير لإقناعها بالعدول عن رأيها
الموضوع مش خطېر للدرجادي.
ردت عليه بنبرة شبه منفعلة
خلاص نط إنت.
تفهم مخاوفها وعقب عليها في صوت هادئ
ما أنا بعمل كده بس من الهليكوبتر.
أتى تعليقها مرحا
طب إنت سوبر هيرو أنا مالي
من الأسفل لاحظت بهاء التردد الكبير الذي كانت عليه
رفيقتها فبدافع من تضامنها معها انطلقت نحو الدرج لتصعد إليها بعدما سحبت إحدى الخوذات لتضعها على رأسها ووقفت إلى جوارها تسألها في قلق
بسنت مالك احنا كلنا جربنا وطلعت تحفة فعلا وأمان.
نظرت ناحيتها قائلة
أنا مش عايزة.
توسلتها برجاء
علشان خاطري.
هزت رأسها مبدية رفضها التام
لأ وسقطوني.
ثم خطت متراجعة للخلف فأسرعت بهاء بجذبها من ذراعها لتستوقفها عنوة التفتت بسنت تنظر إليها بتحير خاصة وهي تعتذر منها بغرابة
مش عايزاكي تزعلي مني.
ظل تعبير الاستغراب مرسوما على تقاسيمها إلى أن ضمتها رفيقتها إلى صدرها لټحتضنها قبل أن تقفز بها إلى الأسفل والأخيرة تصرخ في صدمة فزعة
يا لهوي!
ڠضبت منها لأنها أسقطتها رغما عنها بداخل الأنبوب الهوائي ورغم أنها لم تتعرض للأذى وكانت مثلما أخبرها الجميع تجربة آمنة ومٹيرة إلا أنها بقيت على ضيقها من رفيقتها فلم تتوقف عن الندب أو النواح وهي جالسة على مقعد معدني في زاوية المرأب. مسحت بهاء برفق على ذراعها كنوع من الاعتذار لها وبسنت لا تزال تلومها
بقى إنتي تعملي فيا كده
ردت عليها بحذر
ما هو محصلش حاجة.
كفكفت دمعها بظهر كفها وهتفت
ده علشان ربنا عالم بيا.
جاء أمير ومعه زجاجة بلاستيكية بها مشروب بارد مد يده بها ناحيتها قائلا
اشربي اللمون ده يهديكي.
أشاحت بوجهها بعيدا عنه وهتفت بعناد طفولي
مش عايزة حاجة من حد.
خاطبها في لهجة لينة
ده ساقع وفريش خسارة ما يتشربش.
وقتئذ تخلت عن عزوفها المصطنع ونظرت إليه قائلة بملامح عابسة
هشربه علشان الجو حر بس.
ناولها الزجاجة هاتفا ببسمة لطيفة
وماله.
بعد لحظات جاء إليهم عمر وهو شبه يلهث سأله أمير بغموض
الدنيا تمام
أجابه بعد نفس عميق
الحمد لله كل حاجة ماشية زي ما خططنا ليها.
استحسن كفاءة الأداء مرددا
حلو أوي.
خدوا نفسكم وارتاحوا عقبال ما يجي الدور عليكم.
تصلب جسد بسنت وتساءلت والفزع يعاود الزحف نحو تعبيرات وجهها
الدور علينا في إيه
أعطاها جوابا مباشرا
جولة بالهليكوبتر.
لحظتها سقطت الزجاجة من يد بسنت لتصرخ فجأة
إنتو بتعملوا فينا كده ليه
تحولت الأنظار إليها فتابعت وقد انتفضت واقفة من موضعها
أنا بخاف من خيالي عايزني أطلع أنط من فوق الله الغني!
صحح لها اعتقادها الخاطئ
ومين قال إنك هتنطي إنتي هتشوفينا واحنا بنعمل محاكاة لعملية إنزال جوي.
في شيء من المنطقية ردت عليه
طب ما أشوفكم وأنا على الأرض مش هيجرى حاجة.
تضامنت بهاء مع مطلب رفيقتها واقترحت عليه
طالما مش حابة تطلع فوق سيبها على الأرض.
أعطاهما نظرة صارمة قبل أن يأمرهما
كفاية دلع واجهزوا.
ثم تركهما ليغادر باستعجال فتبعه أمير وهو يخبرهما
أنا رايح معاه.
استدارت بسنت لتواجه رفيقتها مدمدمة بغيظ
هو ده اللي تدريب نسمة مش هنحس بيه
بحذر واضح قالت
والله أنا زيي زيك.
عادت بسنت لتندب حظها في نبرة مالت للنواح
كان عليا بده إيه!
شعرت أنها ضئيلة جدا بل وضعيفة وخائڤة ومذعورة وهي تراقب من موضع جلوسها قفز هؤلاء الرجال الأشداء من هذه المسافة العالية من فتحة الطائرة الهليكوبتر واحدا تلو الآخر في استبسال يدعو للإعجاب الشديد. لن تنكر بهاء أن عينيها كانتا لا تران غيره فراحت تراقبه وهو يملي أوامره على رجاله ليقوموا بإجراء عملية الإنزال الوهمية بكل براعة واحترافية.
حينما غير عمر مكانه ليصبح قريبا من مجموعة الشابات التي كانت ضمنها حبست بهاء 
احنا بنستخدم المروحية دي للتدريب تقدروا تقولوا عندنا فوق ال 300 مروحية على مستوى الدولة للتدريب وفي طبعا طائرات مقاتلة واعتراضية وهجومية ونقل عسكري ومهام خاصة.
ثبت نظره عليها فشعرت باضطراب أكبر في خفقات قلبها رغم أنه كان يتحدث بلهجته الجادة
طبعا الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية بيختلف لأننا بنستخدم المظلات مع الطرود الخشبية المقفولة ولازم المواد اللي ماتكونش معرضة للتلف لأنها بطبيعة الحال بتقع من ارتفاع شاهق ومحتاجة طيارين على درجة عالية من الكفاءة والدقة بحيث يضمنوا إن الطرد هيقع في مكان الإسقاط.
شتت عينيها عنه عندما سألته هذه الشابة المجاورة لها
ما ممكن الطرد ماينزلش في مكانه
الټفت ناظرا تجاهها وهو يرد
ده حقيقي نسبة الخطأ واردة لازم نقول ده كمان بس احنا بنسمي رجال المظلات بإنهم رجال المهام الصعبة.
في شيء من الجراءة
اقترحت إحداهن
هو احنا ممكن ننط من هنا
أجابها بلا ابتسام
تقدري مع حد محترف بس زي ما قولت محتاجة تأهيل قبل ما تخوضي التجربة.
من أبعد نقطة عن فتحة المروحية صاحت بسنت وهي متشبثة بحزام أمانها
أنا عايزة أنزل على الأرض.
أدار عمر رأسه تجاهها ليخبرها
احنا قربنا نخلص الجولة.
من جديد تكلمت إحدى الشابات في ميوعة مستترة
بجد يا سيادة الرائد هنفتقدك جدا بعد التدريب ده كان حقيقي ممتع بيك.
تعامل مع أسلوبها برسمية فاقتضب في رده قبل أن يتحرك مبتعدا
شكرا.
استوقفته إحداهن تسأله في شيء من الوقاحة
هو احنا ممكن ناخد رقمك..
منحها نظرة ڼارية فعدلت من حديثها
قصدنا يعني بحيث نتواصل معاك لو وقفنا في حاجة.
أشار عمر إلى أذنه مردفا
معلش مش سامع علشان
الدوشة خلينا نتكلم لما نهبط بأمر الله.
وانتقل بعدها إلى موضع الطيار في الأمام للحديث معه فأخذت هذه الشابة تتدلل بتنهيدة متشوقة
سكر أوي أنا بحضر التدريب ده علشانه.
ردت عليها أخرى بنفس اللوعة
وأنا كمان.
للمرة الأولى شعرت بهاء بالغيرة الشديدة جراء حديثهما اللعوب عنه لم تعد تحتمل هرائهما فصړخت فيهما بصوت منفعل استغربت نفسها منه
ما كفاية كلام بقى وادعو ربنا نوصل بالسلامة.
نظرت كلتاهما إليها بتعجب واستطردت إحداهما معقبة بتأفف
مالها دي!
وقتئذ أدركت أن ثمة شيء فيها انجذب لا إراديا إليه ومع ذلك حاولت استنكاره بترديدها بين 
يتبع الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر
رغم انشغاله بمتابعة كل شاردة وواردة تخص جميع دارسيه إلا أنها بقيت على قائمة اهتماماته فظل يراقبها خلسة متابعا عن كثب ردات فعلها تجاه تصرفات الشابات المتجاوزات مؤخرا في معاملتهن معه حرص تمام الحرص على أن يبدو صارما ملتزما في تعاملاته لئلا يفسر تصرفه بشكل خاطئ ومع هذا لم تتوقف الشابات عن ممارسة حيلهن المكشوفة له لاستمالته حقا لو كان أنس في محله لانتشى واستمتع بما يقدم له على طبق من ذهب غير مكترث بجرائر انسياقه وراء أهواء النفس. 
انحدرت المروحية بتباطؤ لتستقر على المدرج وصياح بسنت مسموع للجميع
يا رب أنا لسه صغيرة مش عايزة شبابي يروح هدر.
ضحكت الشابات على ما تقوم به من تصرفات خرقاء ووصفن إياها بالشابة البلهاء المحبة للفت الأنظار لكنها لم تعبأ بهن بينما دافعت عنها بهاء في تعصب
لو أي واحدة في مكانها طبيعي هتحس كده.
ردت عليها إحداهن في تأفف وهي تهم بالخروج من باب المروحية
بس مش بالأفورة دي.
اتخذت موقفا دفاعيا صارما عنها بقولها المتحيز
مالكوش دعوة بيها إنتو شاغلين بالكم بيها ليه
قالت أخرى في استحقار
أصله باين أوي إن اللي بتعمله وكل ده علشان هي عايزة تخلي كل الظباط حواليها.
ضحكت ثالثة مضيفة في استهزاء
ما هما بيحبوا اللي تبات ضعيفة ومحتاجاهم.
اغتاظت بهاء من تحاملهن على رفيقتها فأشارت إليهن بأصابع الاتهام
كفاية اللي إنتو عاملينه ما إنتو الصراحة مقصرتوش
كلماتها بدت مستفزة لإحداهن فسألتها في نبرة هجومية
بتقولي إيه وضحي كلامك!
لم ترغب بهاء في إثارة أي نوع من الفضائح لهذا أثرت التراجع عن حدتها وقالت بسخافة
إنتو جامدين أوي هي لأ.
من ورائها أهانتها أخرى بطريقة فجة
سيبكم منها ما هما معروفين إنهم المهزقين بتوع التدريب ده.
كادت أن ترد عليها لولا أن ظهر عمر في محيطهن ليتساءل بصرامة
إنتي بتتكلمي عن دول
تجمدت عينا بهاء عليه فرأت كيف قست تعابير وجهه واحتدت نظراته خاصة والشابة تحاول التبرير
أنا...
قاطعها في غلظة
اعتذريلها فورا وإلا هتطلعي برا التدريب.
على مضض برطمت وهي تنظر إلى بهاء بحنق
سوري.
صاح عمر محذرا في صوت قوي جهوري
مش مسموح نهائي إن حد يغلط في التاني.
لم تعقب أي واحدة بشيء فواصل حديثه الصارم
ومش معنى إنكم قادرين تتحملوا الضغط يبقى الباقي زيكم في حاجة اسمها فروق فردية وقدرات.
انعكس الحرج على محيا الشابات فأكمل
والمفروض تحترموا الاختلاف بينكم ده لو فعلا جايين تتعلموا.
اعتذرت منه إحداهن محاولة البحث عن حجة مناسبة لتبرير رعونة تصرفهن غير المحايد
سوري يا سيادة الرائد احنا منقصدش حاجة بس هي كانت مأفورة حبتين والموضوع مش مستاهل.
أعطاها نظرة قاتمة قبل أن يقول
ده بالنسبالك لكن هي لأ!
لم ترغب بهاء في سماع المزيد شعرت بالحرج الشديد من الموقف برمته لذلك تراجعت بخفة نحو الجانب الآخر لباب المروحية لتساعد رفيقتها على الهبوط لفت ذراعها حول كتفيها لتسندها قائلة
تعالي يا بسبوسة.
ما إن لمست قدماها الأرض الصلبة حتى هللت فرحا
أخيرا احنا على الأرض أنا مش مصدقة نفسي.
كانت تبدو خائرة القوى غير متوازنة الحركة فطلبت منها بهاء الاتكاء عليها ومحاولة السير باتزان لكنها أخبرتها
مش قادرة مفاصلي سابت من بعضها.
شعرت بهاء بثقلها على كتفيها وعجزها عن مساعدتها دون أن تتعثر فأخبرتها
طب ما ترميش حملك كله عليا أنا مش عارفة أمشي خالص.
قبل أن
تم نسخ الرابط