ضبط واحضار بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

اكتفت بإعطاء نظرة ذات مدلول خاص لرفيقتها فهمتها بهاء على الفور ولاذت بالصمت مرغمة فما أقدمت عليه يدعو للشعور بالخزي والخجل من نفسها. السكوت الذي أصبحت عليه كلتيهما جعل الريبة تنبعث في دواخل ميرا فسألتهما وهي توزع نظرتها القلقة بينهما
إنتو عملتوا إيه
أطبقت بهاء على شفتيها تحاول التفكير في حجة مقنعة تفسر بها خطئها غير المقصود بينما هتفت بسنت بنبرة لائمة
مش قولتلك قلبي مش مرتاح.
تضاعفت حيرة ميرا من غموضهما المقلق وتساءلت في انفعال طفيف
هو حصل إيه
لم تنتظر بسنت رفيقتها لتنتقي من الكلمات المناسبة ما يقص ما حدث حيث اندفعت من تلقاء نفسها تهتف
مصېبة يا ميرا مصېبة!
رغم مضي ما يقرب من أسبوعين على هذه الحاډثة المؤسفة وتعقد الأمور بشأن تعليق عضويتهما
في النادي الاجتماعي إلا أن بهاء بقيت تدافع عن نفسها بقوة ورافضة الاعتقاد بأنها أسرعت في عدم تحري الدقة أثناء إقدامها على إيذاء أحدهم لم تكترث بأي أراء أخرى معارضة لها وكان التبرير منطقيا بأن ذلك الشخص هو شريكه المخضرم في ڼصب الفخاخ للفتيات خاصة مع رؤية صور مشتركة تجمع بينهما على صفحات التواصل الاجتماعية.
في هذا اليوم تحديدا ذهبت مع بسنت إلى ذلك المعهد المتخصص في تدريب وإعداد القادة المتميزين ليس فقط من القيادات العسكرية وإنما أيضا من الأفراد المدنيين. تجولت في أروقة المكان بعدما قامت بملء بياناتها للاشتراك في أحد الدورات التدريبية الجديدة لتضمن الحصول على شهادة أخرى معتمدة تؤهلها للحصول على وظيفة أفضل في حال توافر واحدة بتلك المواصفات بالمستقبل القريب. 
مفعمة بإحساسها بالحيوية والنشاط تأنقت بهاء في ثياب رسمية فارتدت بدلة سوداء من أسفلها قميصا أبيض اللون على حذاء ذي كعب مرتفع وجمعت شعرها في ربطة واحدة لتتدلى كذيل حصان على ظهرها. لم تتوقف بسنت عن لومها واستطردت تخبرها وهما تسيران بتلكؤ في الردهة الواسعة للمعهد
احنا تقلنا العيار حبتين وده خلا موقف ميرا وحش أوي...
ازدردت ريقها وتابعت في خوف مفهوم وهي تضم ملف أوراقها الخاصة إلى صدرها
واحتمال كبير ينهوا عضويتنا في النادي ما هو أكيد مش هيسكتوا عننا وخصوصا إن الراجل ده شكل واصل. 
بدت بهاء غير مبالية كليا بتبعات جريرتها وقالت بعجرفة
عادي النادي مش أملة أوي علشان نندم إنه هيفصلونا منه ده احنا كل فين وفين لما بنروحله وبعدين خلينا نركز في تدريبنا اللي هيبدأ.
هزت رأسها قائلة
بالمناسبة احنا المفروض نحضره 3 أيام في الأسبوع آخر النهار.
تفقدت بهاء ما بحوزتها من أوراق وخاطبتها
عايزين نشوف إن كان ينفع يكون الميعاد بدري شوية ولا لأ.
أخبرتها رفيقتها وهي تشير إليها بإصبعها لتنعطف نحو الرواق الجانبي
ده على حسب المجموعة اللي معانا وكمان المحاضر اللي هيدينا.
تحدثت إليها بإيماءة من رأسها
كل حاجة سهل تتظبط.
في غمرة حديثهما الجاد أثناء سيرهما العادي لم تلحظ أيا منهما ذاك الذي تمكن بسهولة من التعرف إليهما رغم تبدل مظهرهما حينما كان يتحرك في الاتجاه المعاكس لوجهتهما .. ما لبث أن اشتاط ڠضبا كما تصاعدت الډماء الفائرة إلى رأسه وقد تنشطت ذاكرته بتفاصيل ما تعرض له من إهانة فجة بواسطتهما. لم يترك الأمر يمضي دون رد بل أسرع في خطاه واعترض طريقهما ليستوقفهما بلهجة الآمر الناهي وموجها حديثه على وجه الخصوص إلى بهاء وعيناه تشعان ڼارا
استني عندك!
شهقت بسنت في ارتعاب فور أن رأته قبالتها بهيبته ومهابته عرفته في الحال وارتعشت شفتاها مدمدمة بخفوت 
يا نهار إسود!
بينما اتسعت نظرات بهاء نسبيا بعدما استوعبت الصدمة المباغتة حيث استطاعت هي الأخرى التعرف إليه واستعادة فداحة تصرفها المتجاوز معه تسمرت في مكانها ليتدلى فكها للأسفل مرددة في ذهول كبير
مش ممكن إنت!!!
يتبع الفصل الثاني
الفصل الثاني
أخذت على حين غرة عندما التقت به قبيل الصدفة في آخر مكان ظنت أنه سيتواجد به كانت هيئته بالزي العسكري الرسمي مغايرة لهذه المرة الوحيدة التي تشاجرت معه فيها حيث بهر نظرها بحضوره الطاغي وشخصيته القوية استفاقت من صډمتها اللحظية لتجده يحدجها بنظرات قاتمة متوعدة لا تنوي خيرا ومع ذلك تسلحت بشجاعتها لتواجهه وكأنها لم تقترف شيئا أضر به. انتصبت في وقفتها تسأله في تحفز 
انت عاوز مننا ايه
على عكسها كانت بسنت ترتجف خوفا من ردة فعله العڼيفة نحوهما وما عزز من ذلك الشعور المړتعب هو مظهره الرسمي الذي يوحي بسلطة مطلقة. ظلت مرتكزة بناظريها عليه عندما تكلم في حنق 
أنا مانستش اللي عملتيه معايا.
حادت بهاء ببصرها عنه وردت باستعلاء 
مكونتش إنت المقصود.
اغتاظ من برودها المستفز وسألها في توبيخ 
والمفروض إنتي كده بتعتذري عن غلطك
تضايقت من نظرته إليها ومع ذلك عللت له أسبابها بنفس الهدوء المزعج 
أي واحدة مكاني طبيعي تتصرف بالشكل ده لما يكون الإنسان اللي هي مرتبطة بيه بيشتغلها أو بيحور عليها ولا حتى آ...
قاطعها متسائلا في شيء من التعنيف 
وإنتي بقى متعودة تهجمي على الناس كده بجهل
كلمته الأخيرة أغاظتها فهتفت مدافعة بتحد وكأنها تناطحه الرأس بالرأس وإصبعها يلوح في الهواء 
لأ بس الخونة ومعدومين الضمير بيشوفوا مني العين الحمرة.
عقد حاجبيه معقبا على عبارتها 
بس مسيرك تقعي مع واحد يربيكي.
اشټعل وجهها بحمرة الڠضب وهتفت في حمئة 
محدش يقدر يمسني أنا ما بسكتش عن حقي.
تعلقت بسنت بذراع رفيقتها محاولة تهدئتها دون كلام خاصة مع رؤيتها لاحتدام الموقف بينهما في حين استطرد عمر مهددا إياها 
عموما اللي زيك خسارة الكلام معاه.
تضرج وجهها بحمرة شديدة فحول عينيه عنها عندما جاء أحدهم ليخاطبه في لهجة مليئة بالاحترام 
باشا أسف لو هقاطعك بس في موضوع آ... 
انشغل عنهما للحظة فاستغلت بسنت الفرصة لتهمس إلى رفيقتها بصوت مرتجف 
بقولك إيه يالا نجري أوام منه.
همت بالاعتراض عليها قائلة بصوت خفيض لكنه شبه منفعل 
وأسيبه كده من غير ما أرد عليه ده بني آدم مستفز.
أصرت عليها پخوف مبرر 
كفاية مشاكل لحد كده بينا نجري من هنا ده لو نفخ في وشنا بعضلاته دي هيطيرنا.
لم تفكر مرتين واستجابت لها لتنسحب كلتاهما من محيطه في الحال بخطوات أقرب للركض كادت بسنت تنكفئ على وجهها بسبب ارتدائها للكعب العالي فأسندتها بهاء قبل أن تفقد اتزانها لتردد الأولى في توتر خائڤ 
أنا هقع بالكعب ده.
عاتبتها الأخيرة متمتمة 
وحد قالك تلبسيه طالما مش عارفة تمشي بيه!
جاء ردها عفويا 
ما إنتي اللي قولتيلي نتشيك وبعدين أنا هعرف منين إننا هنشوف البعبع هنا ده شكله شړاني أوي
للحظة استدارت برأسها لتختطف نظرة سريعة تجاهه قبل أن تعاود النظر أمامها وافقتها في الرأي هاتفة بتعجل 
معاكي حق الحمدلله إننا عرفنا نخلع منه أصلا.
بالكاد تمكنت كلتاهما من بلوغ بوابة الخروج لتقول بهاء في صوت شبه لاهث 
إنتي راكنة فين
أجابتها مشيرة بيدها نحو الأمام 
هناك.
رددت في الحال بصوت متقطع بسبب تلاحق أنفاسها 
يالا قبل ما يحصلنا.
على الجانب الآخر لم يكلف عمر نفسه عناء ملاحقتهما وراح يمشي الهوينى وهو يتبعهما ليقول مخاطبا نفسه بثقة بعدما وضع يده في جيب سروال زيه القماشي 
هتهربي مني فين ده إنتي في مكاني!
احتاجت للكثير من الجهد حتى تضبط انفعالاتها وتتمكن من قيادة السيارة بثبات وهدوء بدلا من الانطلاق في طريق العودة مباشرة راحت تنتقل من مكان لآخر بغير هدى وكأنها ضلت
وجهتها والطرقات أصبحت مشابهة لبعضها البعض فالتبس
عليها الطريق لهذا أبطأت بسنت من سرعة سيارتها حتى أوقفتها بمحاذاة الرصيف في بقعة شبه خالية من الزحام لتلتفت ناظرة إلى رفيقتها وقد افترضت مجازا 
تفتكري هو شغال هناك في الأكاديمية
فركت بهاء جبينها قائلة بشيء من الارتباك الحائر 
مش عارفة معنديش جواب لسؤالك بصراحة.
أضافت بسنت في نفس اللهجة المضطربة 
بس لبسه بيقول غير كده.
ردت عليها بتفسير منطقي بدا أكثر إقناعا لها 
جايز تكون صدفة المكان فيه عسكريين ومدنيين يعني بيتهيألي شيء طبيعي إننا نتصادف معاه.
أنا مابثقش في الصدف وخصوصا إن حوارنا معاه لسه طازة...
توقفت لهنيهة لتبتلع ريقها وأكملت 
ده احنا حدفناه بالبيض ده بقليله إن معملناش عجة!
همهمت بهاء في تخبط زاد من توتر رفيقتها 
ما تقلقيش أوي كده.
أطلقت بسنت تنهيدة تشي بقلق بالغ وعبرت عما يجوس في نفسها قائلة 
أنا خاېفة لو طلع فعلا شغال في الأكاديمية وعرف عننا أي معلومات ممكن يوصلنا ويعمل فينا حاجة...
تصاعد الخۏف في نبرة بسنت وهي تخاطب رفيقتها كأنما تلوم تسرعها 
ما كنا اعتذرناله وخلصنا.
ردت عليها بتعصب 
هو أدانا فرصة إنتي شايفة بنفسك كان بيكلمنا من مناخيره إزاي!
للغرابة اتخذت صديقتها المقربة موقفا متضامنا معه وخاطبتها في تحيز 
هو معاه حق ما احنا بهدلناه ومكانتش الحكاية سهلة وبعدين ما الحال من بعضه إنتي كان ناقص تشوطيه.
سددت لها نظرة قاسېة ولم تعقب عليها فقد أرهقها التفكير في شأنه لذا قالت في سأم 
كبري منه ماظنش هيقربلنا واحنا نعرف ناس برضوه يقدروا يوقفوه عند حده لو فكر يضايقنا.
لم يكن بوسعها مقاومة الوساوس المندلعة في رأسها وأخذت تهتف في مزيد من الخۏف 
أنا قلبي مش مرتاح وإحساسي عمره ما خيب.
بالطبع فكرة الاڼتقام منهما كانت مطروحا وبقوة خاصة إن صدق حدس رفيقتها وثبت أنه يعمل بهذا المكان حاولت بهاء تجنب التفكير في هذا الأمر وترجيح فكرة أن رؤيته كانت بمحض الصدفة ولا خطړ من ناحيته .. هكذا اعتقدت لتسكت الأصوات الدائرة في فضاءات رأسها. 
بدا وجهه وكأنه يشع بهالة من القوة وهو يراجع أوراق قائمة الأسماء النهائية التي انتقاها بعناية للانضمام إلى دورته التدريبية الاستثنائية ما زاد من اتساع بسمته العريضة هو تأكده من وجود اسمي صاحبتي المقلب السخيف ضمن المشتركين في هذا التدريب والذي لا يسمح بالانسحاب منه إلا بعد انتهاء ثلاثة أرباع المدة والتي تمتد إلى ما يقرب من ستة أشهر. رجح عمر أنها وقعت على الأوراق الرسمية الخاصة به دون أن تقرأ جيدا أو حتى بتركيز شروط الانضمام لذلك النوع الخاص من التدريبات الجادة. ها قد واتته الفرصة للتعامل معها بضوابطه الصارمة وقواعده التي لا تخترق. 
ولج إلى مكتبه أنس فوجده على هذه الحالة المسترخية فتقدم ناحيته ليجلس على المقعد في مواجهته وهو يحادثه بشيء من الفضول 
شايفك رايق ومزاجك فل الفل ما تبسطني معاك.
قابل عمر ألفته الزائدة بجدية بحتة وسأله بتحفظ 
عايز إيه يا أنس في حوار جديد ناوي تلطني فيه معاك
رفع كفيه للأعلى مبديا ندمه وهو يبتسم بمرح 
يا باشا والله أنا توبت عن المشاكل والبنت إياها إديتها بلوك ودلوقتي ماشي في السليم.
لم يبد مقنعا به وقال بفم شبه ملتو 
ولا ماشي مع واحدة تانية
نفى في الحال 
أنا عند كلمتي.
هز رأسه معقبا بنفس النبرة الجادة 
كويس أتمنى تفضل على كده مش شوية وترجع تاني.
خفض أنس من ذراعيه ووضع يده على صدره قائلا 
ثق فيا يا باشا...
ثم مال للأمام
قليلا متسائلا بمكر 
بس مقولتيش إيه اللي مفرحك
أراح عمر مرفقيه على سطح مكتبه قائلا في نبرة مزهوة 
الحمد لله القيادة وافقت على الاقتراح بتاعي وبقى ليا لي كل الصلاحيات في إدارة الدورة التدريبية الجديدة زي
تم نسخ الرابط