ضبط واحضار بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

ملامحها فتدلى فكها للأسفل واختطفت نظرة جانبية سريعة نحوها اندهشت لكونها تظهر بحالة الجمود تلك وكأن وجوده من عدمه لا يشكل فارقا معها. ظل عمر يتحدث متعمدا رفع نبرته نسبيا ليلفت انتباه من ظهر عليها التشتت بتعابيرها ونظراتها المذهولة
احنا بندي دورات متخصصة في
إدارة المؤسسات وفهم هيكل الدولة ودراسة الأزمات على المستوى المحلي والدولي وكيفية إدارتها وطبعا الأمن القومي والصراعات الدائرة في الوقت الحالي.
لم تتمكن بسنت من منع لسانها من التعليق فمالت إلى حد ما للجانب نحو رفيقتها تهمس لها
شايفة مين هيدرسلنا
أجابتها بهاء باقتضاب ودون أن تدير وجهها
أيوه.
سألتها في صوت عكس توترها
طب إيه
ابتلعت رفيقتها ريقها وردت في صوت خاڤت للغاية يحمل التحذير
هنتكلم بعدين بدل ما ياخد باله لأنه من الواضح مركز معانا احنا بس.
رمشت بسنت بعينيها في ارتباك مشوب بالقلق وهسهست في نبرة بالكاد تسمع
ربنا يستر.
تحرك عمر من موضع وقوفه وبدأ في التجول بين مقاعد طلابه قائلا في مزيد من الإيضاح
الدورات دي مش بس لكبار موظفين الدولة لكن بنقدمها برضوه للمدنيين بحيث يكونوا مؤهلين لتولي مناصب قيادية في أي مكان وفي أي مؤسسة المميز كذلك عندنا إنه بيتم ترشيح المتفوقين للحصول على منح للدراسة بالخارج.
توقف عن السير ليكون في مواجهة بهاء فاضطرت لتنظر إليه وطيف كابوسها المزعج يتأرجح في عقلها سدد لها نظرة قوية وغامضة قبل أن يستأنف شرحه وكأنه يوجهه لها على وجه الخصوص
أهم شيء لازم تكونوا واثقين منه إننا بنتعامل مع الجميع على حد السواء بمعنى لو كنت خريج كلية عسكرية أو مدنية فالمعاملة بالتساوي اللي بيميزك عن غيرك هو تفوقك الدراسي ومدى تحصيلك العلمي مش المحسوبية ولا الواسطة ولا حتى طولة اللسان وفرد العضلات.
لحظتها ضاقت نظرة بهاء خاصة مع حدسها القوي بأنه يقصدها شخصيا بعبارته الموحية. ما إن انتهى عمر من جملته الأخيرة حتى تحرك مبتعدا عنها ليكمل سيره نحو الخلف هاتفا
كمان الأكاديمية بتتميز عن غيرها بأنها من أعلى المراكز العلمية للدراسة والبحث.
توقف عند مؤخرة القاعة الدراسية وأكمل وهو يجول ببصره على الجالسين
فأتمنى تقدروا تستفيدوا من كل لحظة إنتو موجودين فيها هنا.
أديرت معظم الأعنق مع حركته ليتابعوا ما يقول فأشار لهم بيده نحو الأمام مستطردا
طبعا مش أنا لواحدي اللي هدرسلكم في معايا أساتذة متخصصين كل واحد مسئول عن مادة بعينها...
بالطبع كان أنس يبدو متباهيا في وقفته رغم أمارات الحنق الظاهرة في نظرته المسلطة نحو بهاء قرأت الأخيرة مغزاها بوضوح ولم تبد مرتاعة منه بل على العكس رأت أنه يستحق التوبيخ والعقاپ لقيامه بخداع صديقتها واستغلالها بتبجح شتت نظراتها الناقمة عنه عندما وقف عمر بجوارها مرددا وشبح ابتسامة قد لاح على زاوية فمه
وده بجانب التدريب العملي اللي تم دمجه بشكل استثنائي في الدورة دي تحديدا بحيث يكون ليه نفس الأهمية زي الجانب النظري.
مرة ثانية مالت بسنت نحو رفيقتها هامسة لها
مش مرتاحة لحوار التدريب ده وخصوصا لو هما اللي ماسكينه.
أيدتها في شعورها القلق مرددة بنبرة مماثلة في خفوتها
ولا أنا شكلنا هنتطحن أو هيتعمل مننا عجة!
عاد عمر إلى موقع وقوفه الأول مسح بنظرة عامة وجوه المتطلعين إليه ثم ابتسم قليلا قبل أن يقول
كل التوفيق ليكم.
تلقائيا قام الجميع بالتصفيق إليه لإظهار استعدادهم للبدء في مشوار دراستهم الجديد ما إن هدأ الصخب حتى أضاف
المحاضرة الأولى بعتبرها نوع من أنواع التعارف باعتبار إننا هنكون أسرة واحدة طول الفترة الجاية.
استقام في وقفته وتابع دون أن تخبت ابتسامته الصغيرة
هنبدأ
بشكل أولي نسمع أسماءكم ووظائفكم ده لو كنتم بتشتغلوا مش هقول سنكم علشان معانا سيدات وآنسات جايز يلاقوا ده محرج.
هتفت شابة من الخلف في شيء من المزاح
العمر مجرد رقم يا فندم.
ضحك الجميع على طرفتها الخفيفة فقام عمر بالتعليق عليها
بالظبط.
ساد جو من الألفة والودية أثناء تبادل المعلومات الأساسية بين الحاضرين
لتظهر بهاء أكثر تفاخرا وهي تقدم نفسها
أنا بهاء فودة خريجة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.
رد عليها بشيء من العجرفة وابتسامة مقتضبة تحتل زاوية فمه
تشرفنا.
تجهمت ملامحها فانتقل ببصرها لرفيقتها متسائلا وكأن شأنها لا يعنيه
وحضرتك
سرعان ما سيطر التوتر على بسنت فازدردت ريقها وأجابته بصوت مرتعش
أنا بسنت آ.. صاحبتها وخريجة نفس الكلية.
أومأ برأسه متسائلا
أهلا بتشتغلي
اختطفت نظرة سريعة نحو صديقتها العابسة وأعطته جوابها
احنا .. الاتنين .. لأ.
مجددا هز رأسه هاتفا
أها.. تمام.
انزعجت بهاء من تفوه صديقتها بمثل هذه المعلومة الزائدة والتي لم يكن لها أدنى داع لتطلعه عليها سمعته يتكلم موجها حديثه إلى شابة أخرى
ممكن نتعرف على حضرتك يا أستاذة
أجابته متحمسة
أنا ....
صمت أذنيها عما يقول لتميل نحو بسنت تحادثها في صوت خفيض لكنه يشي بضيقها
إنتي شايفة بيكلمنا إزاي
ردت عليها في حذر
أيوه.
لم تستطع بهاء منع نفسها من توبيخها فأخبرتها بتحفز رغم خفوت نبرتها
وإنتي لازم تنسحبي من لسانك وتقوليله إننا ما بنشتغلش
جاء تبريرها منطقيا
طب ما احنا كاتبين ده في ورق التقديم!
ردت عليها بمزيد من الضيق
أيوه بس هو ما يعرفش.
همست بعينين ترفان بتوتر
ما احتمال يكون عارف من الورق.
جاء ردها منطقيا
وإنتي إيه اللي يضمنلك ده إذا كان لسه بيسأل عن أسامينا وكلياتنا هيبقى عرف إزاي!
نظرت إليها بتحير فما كان من بهاء إلا أن أنهت الجدال في هذه المسألة بقولها الواجم
عموما هنتكلم بعدين.
زمت شفتيها مغمغمة في إيجاز وهذا القلق مسيطر على قسماتها
ماشي.
بدافع من الإحساس بالضيق منها اتخذ أنس موقفا عدائيا تجاهها فكان يتحين الفرص للتقليل من شأنها بأسلوبه التهكمي المستفز ومع ذلك ظلت بهاء صامدة متسلحة بقناع الجمود والثبات لئلا تعطيه غرضه أو تشعره بلذة انتصاره مع استحقارها. جرى النقاش أولا حول قضية قومية هامة الأمن الغذائي فاستمع الجميع إلى ما يتم تداوله بهذا الشأن من الأوساط الإعلامية المختلفة ومن أراء عامة الشعب عبر عرض عدة فيديوهات مرئية منتشرة مسبقا على الساحة ثم طلب منهم ببساطة تحديد أهم النقاط التي ستتمحور حولها محاضرة اليوم. 
ظنت بهاء أنها قادرة على اختطاف الأنظار بأفكارها النيرة ومقترحاتها المتفردة لكنها تفاجأت بمدى الاستخفاف بآرائها بل تكاد تجزم أنه يتم الاستهزاء بها في كل مرة تتجرأ فيها على النطق بشيء. لم تتوقع مثل هذه المعاملة الدنيئة من محاضريها وكأن كلاهما يترصدان عن عمد لكل شاردة وواردة تصدر عنها ليجعلاها في موضع سخرية دائم من الجميع وبالتالي لن يأخذها أحدهم على محمل الجد حين تتحدث بجدية حتما سيظن الأغلب أنها ليست أهلا للثقة. 
وجدت بشرتها مشبعة بحمرة ساخنة وكأنها على وشك الانفجار على قدر استطاعتها حاولت ضبط أعصابها والتزام الهدوء تجنبا لافتعال المشاكل من المحاضرة الأولى. ما لبث أن اعتراها الغيظ وفاض بها الكيل فلم تعد تتحمل المزيد لذا تكلمت بملامح ممتعضة وبنبرة متجهمة حينما سألها عمر عن نقطة بعينها
أنا رأيي حضرتك ما تبقاش تسألني تاني بما إني واخدة دور الأراجوز هنا.
انتشرت همهمات ضاحكة على أسلوبها الساخر بين الجالسين فعلق أنس من فوره محذرا إياها بصراحة صارمة
اتكلمي كويس وخدي بالك إنتي فين!
توترت بسنت في جلستها متوقعة حدوث الأسوأ بينما التفتت بهاء ناظرة إليه لتزجره قائلة باستنكار
والله حضراتكم اللي من الأول مستقصديني...
توقفت لهنيهة عن الكلام ثم رفعت حاجبها للأعلى قبل إصبعها لتهتف مھددة
وأنا هقدم فيكم شكوى طالما معندكوش أدنى معايير للتعامل بموضوعية مع الناس.
جحظت بسنت بعينيها في صدمة ومدت ذراعها لتمسك بمعصم رفيقتها تجذبها منه وهي تتوسلها في خوف مبرر
بهاء! اهدي ما ينفعش كده!
نفضت ذراعها لتحرر منها صائحة
بحمئة
وأظن الكل شايف طريقتكم معايا إزاي.
اخشوشنت نبرة أنس إلى حد ما وهو شبه ېعنفها
إنتي جاية تعملي بلبلة ومشاكل!!
تدخل عمر قائلا وهو يمد ذراعه أمامه ليجبره على التزام الصمت
لحظة يا سيادة الرائد..
على مضض كبير لاذ بالسكوت فاستأنف باقي كلامه إلى بهاء يأمرها
من فضلك لمي حاجتك وأخرجي بهدوء ولو عندك مشكلة نتكلم فيها بعد المحاضرة.
سددت له نظرة مشټعلة قبل أن ترد بهدير أنفاسها المتعصبة
أنا أصلا مش عايزة أفضل هنا.
بحركات عصبية ومنفعلة لململت ما يخصها واندفعت للخارج لتقوم بسنت بإلقاء نظرة مرتاعة على وجه عمر مبدية اعتذارا شديدا له
أنا أسفة جدا على اللي حصل هي مش كده والله...
وكأن الكلمات قد فرت من طرف لسانها فلم تستطع إضافة المزيد لهذا جمعت متعلقاتها الشخصية سريعا واستأذنت بالذهاب
عن إذنكم.
أشار لها بيده لتنصرف فهرولت ركضا للخارج لتتبع رفيقتها ليستطرد بعدها عمر مخاطبا الجميع بعد حمحمة خشنة متجاوزا ما حدث
نرجع تاني لموضوعنا ونسمع مقترحاتكم.
بدا أنس منتشيا لكونه قد نجح في استفزازها بل ودفعها للانسحاب قبل أن تنتهي أول جولة معها دون أن يندم للحظة أو حتى يعبأ بنتائج تحامله الواضح عليها.
استحوذ عليها ڠضبها الأهوج وصارت فاقدة كليا للسيطرة على انفعالاتها المستثارة فخرجت من القاعة الدراسية تبرطم بكلمات مبهمة تنم عن غيظ جم ومكبوت. لحقت بها بسنت أرادت أن تخفف من شعورها بالكرب لذا تكلمت إليها في نبرة متعاطفة حذرة
بيبو اهدي يا حبيبتي.
نفخت بهاء بصوت مرتفع فاستمرت رفيقتها تقول
مافيش داعي للعصبية دي كلها.
خرج صوتها كصيحة صړاخ عندما اشتكت لها
يعني مكونتيش شايفة بيتعاملوا معايا إزاي!!
ضغطت بسنت على شفتيها في تردد طفيف وعلقت بتريث
بصي هي نقاشات ما بينكم واختلاف في وجهات النظر مالوش لازمة نكبر الحكاية وخناقات وشكاوي وآ...
استنكرت ما وصفته بتحيزها الأعمى ضدها ووبختها بشدة
يا سلام إنتي مصدقة نفسك
حاولت أن تبرر لها لكنها أشارت لها لتصمت مؤكدة بتصميم
هو الموضوع كبر خلاص وأنا مش هسيب حقي...
ظهر التهكم في عينيها جليا قبل نبرتها وهي تكمل جملتها في نفس التشدد المنفعل
وخصوصا لما حد يحطني في دماغه ويستقصدني.
كان من الأفضل حاليا ألا تتجادل بسنت معها ففضلت أن تبقى محايدة وسألتها
طب ناوية تعملي إيه
أجابتها في التو
هعمل فيه شكوى رسمي وهسيبله الجمل بما حمل بس قبلها هخليه يبطل الشغلانة.
برزت عيناها في ذهول وراحت تسألها في صدمة
ليه كده بس
أولتها ظهرها لتندفع سائرة للأمام وهي تخاطبها بلهجة آمرة
ما تتكلميش معايا دلوقت.
تيقنت أنها لن تتراجع مطلقا عن تنفيذ ما جال بخاطرها ولم تكن لتتركها بمفردها لذا تبعتها هاتفة
استنيني طيب.
ركضت خلفها وهي ترجو الله في نفسها أن تتريث وألا تدع لحظة من الڠضب الأعمى تدفعها نحو ارتكاب المزيد من الأخطاء.
اعتقدت اعتقادا جازما أن سكوتها عن المهانة التي تعرضت لها سيسمح بالمزيد من التجاوزات المسيئة مستقبلا إن لم يكن معها فمع غيرها ممن يعجزون عن الرد أو يفتقدون للشجاعة عند المواجهة. من هذا المنطلق توجهت إلى مكتب المسئول عن إدارة هذه الأكاديمية والتقت بسكرتير مكتبه تاركة رفيقتها تنتظر في الخارج. بدا وجه بهاء يشع بڠضبها وهي تستعلم منه عن إمكانية مقابلته فأخبرها الأخير بنبرته الرسمية
أولا لازم يكون في ميعاد سابق ثانيا سيادته مش موجود دلوقت.
سألته بأنفاسها
المنفعلة
طب هيرجع إمتى
قال بنفس الروتين الرسمي
معنديش فكرة.
بالكاد كظمت غيظها
تم نسخ الرابط