متيم بها لأمل نصر

موقع أيام نيوز


كانت هي وقد كانت تنتحب على أحد المقاعد في البهو الكبير بجوار جدتها تحتضن طفلها الأكبر إياد.
ايه اللي حصل يا ميسون
قالها والقى التحية باللغة التركية نحو المرأة العجوز قبل أن يتلقف صغيره الذي ركض إليه على الفور ليرفعه على ذراعيه ويضمه ويقبله.
هتفت به زوجته باڼهيار
زياد يا عدي زياد اتخطف يا عدي.
سهم بنظراته لها بعدم استيعاب ليجد الصغير يؤكد له بقوله

بابا الناس اللي أخدوا زياد كانوا عايزين يا خدوني انا كمان واحد فيهم قالي تعالى معايا هوصلك لباباك. 
زاد اتساع عينيه وانظاره اتجهت نحو مجموعة الرجال الضخام في الجهة الأخرى كانوا ملتفين حول جد ميسون في اجتماع لأمر جلل فدارت رأسه باستدرك متأخر وقد تنبه اخيرا للخطأ الذي تسبب به بفضل رعونته وغروره
في المساء 
وبداخل القاعة التي امتلأت عن اخرها بالمدعوين لهذا الحفل الصاخب بزواج الشقيقين على أجمل صديقيتن شهد و لينا وقد جمع بينهما القدر كما تمنوها بليلة ما في الطفولة وكانت الصدفة أن تحققت بالفعل الان.
كل أسرة أو مجموعة ضمتها طاولة والفرح إعتلى جميع الوجوده المحبة.
جاسر وطارق يقومان بمهامهم على أكمل وجه كشقيقان للعروس لينا شقيقات شهد الثلاث يملأن الأجواء حولهم حيوية وصخب وقد تجمعت قلوبهم المتشتتة اخيرا بامتنان نحو شقيقتهم الكبرى أما صبا وعائلتها من رجال ونساء التفوا على طاولة واحدة يرأسها والدهم مسعود أبو ليلة وزوجته فكانت تقتنص النظرات بخبث نحو من احتل طاولة أخرى بالقرب منهما مع شقيقه الوحيدة وقد أتى بدعوة مخصوص من المهندس حسن يرمقها بغيظ في انتظار الاختلاء بها بعيدا عن والدها وكل دقيقة يرسل لها بأشارة الثلاثة أصابع كټهديد لها لتتقبلها بالضحك غير ميالية لتزيد من تصميمه.
وعلى الطاولة التي جمعت عائلة الريان كانت زهرة تزفر بسخط مدمدمة بلوم نحو عمها عامر والد زوجها وجد الأحفاد
استغفر الله العظيم يارب يارتني ما جبتهم انت يا عمي اللي جبرتني دول يباتوا في البيت من المغرب ما يجوش افراح ولا يخرجوا أساسا.
قالتها بإشارة نحو التوأم المزعج والذان لم يكفان عن المناوشات الخطړة كل دقيقة فيما بينهم وهي كالعادة تحاول درء الشجار من أوله إما بخطابهم بلين ورجاء أو نظرة محذرة بالعقاپ ولكن لا فائدة. 
تبسم لها الرجل كالعادة ليرد بهدوءه المعتاد
طب وانا مالي يا زهرة انا يا حبيبتي لما صممت على مجية الولاد كان قصدي على البرنس الكبير مجد حبيب جدو وأصغر نمرة قلب جدو دا كمان.
قالها وهو يهدهد ظافر الصغير.
افتر ثغرها بابتسامة صفراء تنقل انظارها بين الاثنان الذان أصبحا يتابعا الحديث دون فهم
جيد لتردد خلفه
يعني الكبير حبيب جدو والصغير قلب جدوا وجوز المصاېب دول ايه محلهم من الإعراب
تولت لمياء بالنيابة عنه الإجابة قائلة بلوم
اخص عليك يا عامر انت وزهرة رامي ورنا دول حبايب تيتية من جوا رامي اللي هيبقى بطل في الكارتيه ورنا اللي هتبقى ملكة جمال بس هما هيسمعوا الكلام ويبقوا شاطرين النهاردة مش كدة يا ولاد
صح يا تيتة. 
قالها رامي بخشونة أكبر من سنه وتلاعبت توأمته بقصة شعرها وقد أعجبها الوصف لتسألها بدلال
يعني انا حلوة يا تيتة
ردت متغزلة بها
يا قلبي انتي قمر وطالعة شبهي كمان بس خليكي أمورة زي البنات الحلوين وسيبي الخناق للولاد الوحشين. 
اومأت الصغيرة برأسها بابتسامة منتشية وكأنها استجابت للنصيحة وظهرت عليها الطاعة عقبت والدتها بتهكم
يا حبيبتي دي ما صدقت طب يا ريت بس تحافظ على فستانها سليم النهاردة من أي خناق ولا بقع أكل.
ضحك ثلاثتهم يتبادلون المزاح حتى اقتربت أنيسة تصافحهم ومعها مجيدة التي جاءت ترحب بهم كذلك بمودة صافية توزع الابتسامات على ثلاثتهم حتى تناولت الصغير تقبله مخاطبة والدته
قمور ما شاء الله عليه دا أصغر الأحفاد مش كدة
توجهت بالاخيرة نحو عامر والذي رد يجيبها بفخر
ايو طبعا والتوأم دول يبقوا إخواته دا غير البطل الكبير كمان مجد أكبرهم بس دا مشغول مع والده وعمو طارق في استقبال المدعوين ما هي لينا دي تبقى بنتنا احنا كمان.
تبسمت مجيدة بمودة صافية للرجل لتضيف على قوله أنيسة بزهو داخلها وقد أسعدها ما تفوه به
طبعا دا مفيهوش جدال بنتكم زي ما هي بنتي. 
تدخلت لميا أيضا تشاركهم 
ربنا يتمملها بخير يا أنيسة وانتي يا ست مجيدة ربنا يفرحك بأحفادك قريب.
يا ختي يسمع منك ربنا.
تمتمت بها الأخيرة بتمني تدعو الله أن يكمل عليها فرحتها بمجموعة تملأ البيت صخبا ومرح.
في خارج القصر تحديدا في الحديقة الأمامية وبعيدا عن أنظار الجميع يحاول مرارا وتكرارا في الإتصال على مجموعة الحمقى التي اتفق بغباء معهم منذ فترة للقيام بهذا الفعل والذي لم يقدر شناعته إلا الآن بعد أن التمس نتائجه المزرية بنفسه يشعر بأن قلبه يكاد أن يتوقف من الړعب لمصير طفله فهذا الإختفاء الغريب وعدم توصله إلى أي طرف منهم حتى وبعد أن ذهب إلى مسكنهم في المنطقة الفقيرة ولم يجد أحد زاد من إحساس الذنب لديه وفزع شديد بداخله خشية السيناريو الأسوء إن حدث من أشخاص لا يعلمهم ولا تربطه بهم سوى صلة المال أي من الممكن استبداله ان وجدوا من يدفع أكثر يا إلهي...... كيف غفل عن هذه النقطة. 
يارب أحفظلي ابني 
تضرع بها داعيا بخشوع إلى ربه قبل أن يجفل على صوتها.
عدي.
إلتف إليها ليبصرها تتقدم بخطواتها المنهزمة أمامه وجهها الشاحب وشعرها المبعثر بعدم اهتمام عينيها الذابلة من كثرة البكاء منكسرة وهشة لدرجة جعلته يشعر بقبضة قاسېة تعتصر قلبه كيف لهيئتها المزرية تلك إن تحرك الحمائية بداخله نحوها يلعن غروره وعنجعيته المتوارثة وقد كانت أهم أسباب فشله حتى في زواجه بامرأة كانت تعجبه حقا قبل ذلك بل وكان يراها أميرة من قصص الخيال قبل ان يتزوجها ويزهد فيها وكأنه انتهى منها رغم وجود الأطفال بينهم.
عايزة إيه يا ميسون
تفوه بالسؤال فور أن توقفت أمامه رفعت رأسها المطرقة لتطالعه بحزن شديد وشفاه مرتعشة تخرج الكلمات منها بصعوبة
أنا عارفة إن عندك حق لأني فعلا زوجة متستحقش كنت بتهمك بالأنانية وانا نفسي مكنتش بعمل اللي يقربني منك.....
قطعت بشهقة بكاء كتمتها بقبضة يدها فتدخل لإيقافها
مش وقته الكلام دا يا ميسون...
لأ وقته.
قاطعته بحدة لتفصح عما يعتمل بصدرها الان
كان لازم اعرف ان العلاقة بين الراجل والست لازم يبقى فيها تنازل من الطرفين حتى لو الطرف الأول معملهاش من الواجب ان التاني يجرب انا ولا مرة جربت كل مرة كنت بستناك انت اللي تيجي وتبادر بإيدي خليت المسافة تكبر ما بينا انا ست متستحقش.
خرجت الأخيرة ببحة مخڼوقة جعلته يزرف دمعة من طرف
عينيه ليضمها إليه بۏجع ينخر بين أضلعه مرددا
لا يا ميسون متقوليش كدة متقوليش كدة يا ميسون انتي تستحقي واحد أحسن مني كمان. 
نزعت رأسها لتنفي بها
لأ يا عدي انا عرفت نفسي وعشان كدة بقولهالك اهو موافقة ع الطلاق وموافقة تاخد الأولاد مني لأني استاهل كل اللي يجرالي.
جذبها پعنف ليهدر بها بصرامة
مفيش أولاد هيبعدوا عنك هنلاقي زياد والاتنين هيتربوا معايا ومعاكي.
قالها ليزيد من ضم رأسها على صدره حتى بللت قميصه بدموعها وقد كانت ترتجف بين يديه وهو أيضا معها حتى أجفل الاثنان على صوت صغير قريب منهما!
صړخت ميسون فور أن رأت طفلها يخترق الباب الخشبي الصغير للحديقة ويتقدم بخطواته نحوهما
مامي وبابي أنا جيت. 
زياااد. 
ركضت لتعتصره بين ذراعيها تشدد عليه بلوعة أم كادت أن تفقد طفلها فتوقف عدي يطالعه بعدم تصديق ينتظر دوره في العناق والتقبيل وتزامنا مع ذلك تفاجأ بآخر شخص يتوقعه يخترق الحديقة خلف طفله الذي كان يهمس لوالدته
عمو هو اللي جابني يا ماما.
مصطفى. 
دمدم بها نحو المذكور والذي توقف يرمقه بنظرة مظلمة وملامح مغلفة أنبأته بحقيقة ما توصل إليه شقيقه. 
..
بداخل الحديقة وبعد مغادرة الجميع وقف الشقيقان في مواجهة غير محسوبة من جهة الطرف الثاني وهو عدي فلم يكن يتصور في أقصى خيالاته أن يصل الأمر إلى شقيقه الأكبر فيتصرف بحنكته المعتادة ويأتي هو بالطفل بنجاح يلازمه كالعادة وهو الحامي والمسيطر رافع رأس العائلة بنزاهته وعقليته الفريدة في التفكير السليم عكسه هو في كل شيء فاشل حتى في تدبير الخطط!
مش ناوي تسألني جيبت الولد ازاي
كان السؤال كفخ شعر به عدي أو بالأصح هو بداية لجره نحو الحديث المتوقع ولكنه تجاهل يدعي عدم الفهم بقوله
وهسألك ليه تاني ما انت جيبت الفايدة لما شرحت من شوية لميسون عن علاقاتك المتشعبة في البلد واللي مكنتك من معرفة مكان الولد في اسرع وقت بجد انا مش عارف اشكرك إزاي
جمود جسده والتعابير المنغلفة على ملامحه لم تتغير ولو حتى بشبه ابتسامة ساخرة بل كان يطالعه بهدوء ما يسبق العاصفة حتى تكلم اخيرا
بتلف وتدور معايا في الكلام معايا يا عدي حتى وانت عارف إني وصلت للحقيقية بنفسي يعني مش محتاج تأكيد منك ولا سؤال.
علم عدي أنه لا مناص من التهرب والإنكار طالما شقيقه يحدثه بهذا الهدوء الخطړ وجميع الطرق سوف تذهب به لنفس النتيجة فخرج سؤاله بفضول ملح
طب مدام كدة يبقى تقولي انت عرفت ازاي ما هو مش معقول يعني في ظرف ساعات قليلة تنزل من مصر وتيجي بالولد على هنا وكأنه كان مستنيك في المطار.
رمقه مصطفى بتعجب قبل أن يفتر فاهه بابتسامة جانبية ساخرة لم تصل لعينيه قائلا
مشكلتك يا عدي انك دايما بتاخد بالظاهر زي الست والدتنا بالظبط ما بتركزش في بواطن الأمور ولا في تحليل الشخصية اللي بتكلمك يعني أنا مثلا لما اقولك بإني عرفت بموضوع الولد منك انت شخصيا مش هتصدني لأنك متأكد انك ما اعترفتش بحاجة قدامي وهو دا فعلا اللي حصل لكنك ناسي اني فاهمك وحافظ أكتر من خطوط إيدي يعني عارف بطريقة تفكيرك 
توقف برهة يراقب تعقد ملامح الاخر
وهذا الصمت منه دون أي إعتراض أو مجادلة على غير عادته وكأنه متقبل تقريعه فتابع
كان ممكن اقدر موقفك رغم اعتراضي على الطريقة الكارثية بس دا لو كنت هتحافظ عليهم وتعوضهم عن افتقاد والدتهم مش تتجوز وتعيش حياتك وتدمرهم. 
زفر عدي يخرج دفعة من الهواء المشحون بإحباطه ورد مصححا
معدتش في جواز خلاص يا مصطفى دي كانت فكرة وراحت لحالها أهم شيء عندي دلوقتي هو الأولاد
مش فاهم يعني خلاص قررت تسيبهم لميسون
سأله بتوجس رغم ارتيابه لهذه النبرة المنهزمة وأتت الإجابة تزيد من حيرته
لا يا مصطفى مش هسيبهم ولا هسيب مراتي طمن قلبك. 
تحرك بخطوتين ليقف بجوار إحدى أشجار الحديقة يضع كفه على جزعها ليردف بتنهيدة خرجت من العمق
أنا خلاص عرفت نصيبي وحمد لله نصيبي مش وحش للدرجة اللي تخليني اهرب ولا اصر على الفراق أينعم انا كان نفسي في الحب..... أعيش المشاعر اللي كنت بشوفها دايما في عنيك انت ومراتك...... بس
 

تم نسخ الرابط